يقول المثلُ الصينيُّ اذا اردْتَ ان تزرعَ لسنةٍ فازرعْ قمحًا، واذا اردْتَ أن تزرعَ لعشرِ سنواتٍ فازرعْ شجرةً، واذا أردْتَ أن تزرعَ لمئة سنةٍ فازرع إنسانًا. والإنسانُ لا يكون إلّا ببُعدَيه المعرفيّ والأخلاقيّ؛ وهذه حقيقةُ دأبت مدرستُنا على زرعها وترسيخها فينا طيلة خمسةَ عشرَ عامًا. كنَحّاتٍ، كفنّانٍ، راحتْ تنحتُ وتصقُلُ وتشذّبُ وتبنينا فكرًا وروحًا، وتُعِدُّنا لاقتحام المستقبل.
وهنا أريدُ ان أشيرَ الى أمرٍ كان بالنسبة إلى جيلنا امتيازًا. فإلى جانب العلوم والآداب، تعلَّمنا كيف تدارُ الأزمات ُوكيف يتمُّ تجاوزُ الصّعابِ وتخطي المآسي. لم تكن جائحة كورونا مجرد َصعوبة يمرُّ بها القطاعُ التعليميُّ، بل كان زلزالًا نجحت مدرستُنا بفضل ادارتها الحكيمة ومعلّميها الأكْفاء، في استيعاب تردّداته، محوّلةً الأزمة فرصةً لتطوير تعليمنا أكثرَ فأكثر. وبالإضافةِ إلى كوفيد جاءت الأزمة الاقتصادية الراهنة في بلادنا لترخي بظلالها علينا جميعًا طلابًا واهلًا وأساتذةً ومدرسة. وكم كان جميلاً تجاوزُنا التحدّي واستمراريتُنا كلُّنا بنفس العزم والعطاء والإنتاج والنجاح وحتى الاحتفال، لنقولَ: نحن أقوياءُ وقادرون على العبور بالإرادة والتكافل والجهد إلى حيث نحن قررنا. فصاحبُ الإرادةِ الصّلبةِ والإيمانِ العميق، لا تردعُه جائحةٌ ولا أزمات.
غدًا سنذهبُ كلٌّ حيثُ يرغب. حيثُ مستقبلُه. وسننتشر في كلِّ القطاعاتِ وربّما بعضُنا خلفَ البحار، وسوف نُسأل عن اسمائِنا ومن أينَ نحن؟ وأين نسكن؟ وفي أي مدرسةٍ كبرنا ومن أيِّ نبعٍ غرفنا هذا الكبَرَ وهذه القيمَ وهذا التألُّقَ وهذه الفَرادةَ؟ سنجيبُهم بفخرٍ : إنّها ثانويّة ُعين نجم، هويّتُنا وجوازُ مرورِنا إلى العالم ِ الرّحب. لكنْ، أؤكّدُ لكم، أنّنا مهما ابتعدْنا، فعين نجم لن تبارحنا، لأنّ سُكناها في القلب والعقل، في الوجدان والضمير، ولأنّنا إليها ننتمي، والمنتمي لا يفارقُ وإِنِ ابتعد. وستبقى دروبُها وتوجيهاتُ أهلِها رفيقَ كلٍّ منا أينما حلَّ ، وسوف يتحسَّسُ صنوبراتِها كلما احتاجَ ظلاً يفيءُ إليه وقلبًا عطوفًا يحنو عليه...!
وشكرًا.