عندما تجتمع بقامة فنّيّة كالأستاذ أنطوان الصّافي يكون اللّقاء غير عاديّ، فما بالك إذا كان موضوع هذا اللّقاء العملاق وديع الصّافي، في مقابلة أجراها معه تلاميذ الصفّ الثانويّ الأوّل، البكالوريا الفرنسيّة، في ثانويّة القلبين الأقدسين، عين نجم؟
بخطواتٍ بطيئةٍ موزونةٍ، وطلّةٍ "صافيّة" تُعانِقُ هامات الأرز، وتواضعٍ جبلتْه صباحات "نيحا" الشوفيّة ، دخل الأستاذ أنطوان قاعة الاجتماع، وكان حوارٌ وتبادلٌ وتفاعل مع التّلاميذ.
حدّثهم عن وديع الصّافي الأب الّذي ربّى أولاده على القيَم الأخلاقيّة والمبادئ الإنسانيّة النّبيلة.
وأخبرهم عن وديع الصّافي الصّديق، والعلاقة التي جمعته به طيلة خمسين سنةً، رافقه خلالها في مشواره الفنّيّ وفي رحلاته وحفلاته، مذْ كان طفلًا. بضحكة ممزوجة بالغصّة، يُردّد الأستاذ أنطوان جملة والده:"عِيريني ياه اليوم"، متوجّهًا بها إلى أمّه طالبًا منها أن يرافقه.
أخبرهم عن وديع الصّافي المواطن الأصيل الّذي ارتبط بالأرض والوطن، وغنّى القرية اللبنانيّة، نبع الخير والعطاء والتجدّد، وصورة لبنان الذي يراه "قطعة سما".
وتحدّث عن تجربته وفضله في صناعة الهويّة الفنّيّة اللّبنانيّة، التي جمع فيها مزيجًا حضاريًّا فريدًا من الألوان الموسيقيّة السّريانيّة والمارونيّة والبيزنطيّة والإسلاميّة وأضفى عليه من إبداعه، إضافة إلى العتابا والميجانا وأبو الزّلف والمعنّى والشّروقيّ والمقامات الموسيقيّة، وشدّد على سِحر الكلمة في اللغة العربيّة عندما تتزاوج مع اللّحن والصّوت؛ فترتقي الأغنية معه إلى مصاف الصّلاة، ويصبح الفنّ الرّاقي عنده طريقًا إلى الله، وأمانة تجسّد تاريخ الإنسان وحضارته.
وفي نهاية المقابلة، عبّر الأستاذ أنطوان عن فخره واعتزازه بلقاء التّلاميذ الّذين بادلوه كلمات الشّكر والامتنان، وقدّموا له هديّةً رمزيّة، قبل أن يلتقطوا الصّور التّذكاريّة معه.